دراسات
إسلامية
تربية
الأطفال في
رحاب الإسلام
الثواب
والعقاب
بقلم: الأستاذ/
محمد الناصر
إن إثابة المحسن على إحسانه، وعقاب المسيء على إساءته مبدأ إسلامي أصيل لقوله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ اِلَّا الإحْسَانُ﴾ [الرحمن:60] ، وقوله جل من قائل: ﴿وجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ [الشورى:40] .
أنواع
الثواب:
عندما
نحاول أن نغرس
العادات
الطيبة لابد
من مكافأة
الطفل على
إحسانه
للقيام بعمل
بما يثبت في
نفسه جانبًا
من الارتياح
الوجداني. وقد
قدر السلف
أهمية ترغيب
الأبناء
وثوابهم عند
حسن استجابتهم،
ومن ذلك ما
رواه النضر بن
الحارث قال:
سمعت إبراهيم
بن أدهم يقول:
قال لي أبي:
«يا بني اطلب
الحديث،
فكلما سمعت
حديثًا وحفظته
فلك درهم.
فطلبت الحديث
على هذا»
والثواب قد
يكون ماديًا
ملموسًا
كإعطاء الطفل
لعبة، أو حلوى
أو نقودًا أو ...
وقد يكون
معنويًا يفرح
له كالمدح
والابتسام،
والاعتزاز
بالطفل لعمله
الطيب أمام
الناس. إلا أن
عدم الغلو في
المدح أدب
إسلامي، فلا
يكثر المربي
من عبارات
الاستحسان
حتى لا يدخل
الغرور في نفس
الطفل. كما
أنه لا يجعل
الثواب
المادي هو
الأساس، لما
لذلك من أثر
سيئ على نفسية
الطفل
مستقبلًا، وإنما
يوازي بين
الثواب
المادي والثواب
المعنوي.
العقاب
وأنواعه:
إن
التربية لا
تعني الشدة
والضرب
والتحقير، كما
يظن الكثير، وإنما
هي مساعدة
الناشئ
للوصول إلى
أقصى كمال ممكن
... هذا وإن
ديننا الحنيف
رفع التكليف
عن الصغار،
ووجه إلى
العقاب
كوسيلة
مساعدة للمربي
ليعالج حالة
معينة قد لا
تصلح إلا
بالعقاب المناسب
الرادع، وذلك
بعد سن
التمييز كما
يبدو من
الحديث
النبوي
الشريف: «مروا
أولادكم
بالصلاة، وهم
أبناء سبع
سنين،
واضربوهم عليها
وهم أبناء
عشر». ونستشف
من هذا الحديث
الشريف أن
الضرب من أجل
تعويد الطفل
الصلاة لا يصح
قبل سن
العاشرة،
ويحسن أن يكون
التأديب بغير
الضرب قبل هذه
السن. وأما
نوعية العقاب
فليس من
الضروري
إحداث الألم
فيه،
فالتوبيخ العادي
الخفيف،
ولهجة الصوت
القاسية
مثلًا يحدثان
عند الطفل حسن
التربية نفس
التأثير الذي
يحدثه العقاب
الجسمي
الشديد عند من
عود على ذلك.
وكلما ازداد
العقاب قل
تأثيره على
الطفل، بل
ربما يؤدي إلى
العصيان وعدم
الاستقرار. فالعقاب
يجب أن يتناسب
مع العمر، إذ
ليس من العدل
عقاب الطفل في
السنة الأولى
أو الثانية من
عمره، فتقطيب
الوجه يكفي مع
هذه السن؛ إذ
إن الطفل لا
يدرك معنى
العقاب بعد.
وفي السنة الثالثة
قد تؤخذ بعض
ألعاب الطفل
لقاء ما أتى من
عمل شاذ.
ولا
يصح بحال أن
يكون العقاب
سخرية
وتشهيرًا أو
تنابزًا
بالألقاب،
كما قال
تعالى: ﴿يَا
أَيُّهَا
الَذِينَ
آمَنُوا لا
يَسْخَرْ
قَوْمٌ مِّن
قَوْمٍ عَسٰى
أَن
يَكُونُوا
خَيْرًا
مِّنْهُمْ
ولا نِسَاءٌ
مِّن
نِّسَاءٍ عَسٰى
أَن يَكُنَّ
خَيْرًا
مِّنْهُنَّ
ولا تَلْمِزُوا
أَنفُسَكُمْ
ولا
تَنَابَزُوا
بِالأَلْقَابِ﴾
[الحجرات:11] أين
هذا التأديب
الرباني ممن
ينادون
أبناءهم: يا
أعور، يا
أعرج،
فيمتهنون
كرامتهم.. أو
يعيرونهم فيجرئونهم
على الباطل
بندائهم: يا
كذاب ... يا لص.
وفي
ضرب المربين
للصبيان: حدد
فقهاؤنا
حدودًا لا
يجوز للمربي
تجاوزها؛ إذ
يلزمه أن يتقي
في ضربه الوجه
ومكان
المقاتل لما
ورد في صحيح
مسلم أن
الرسول –صلى
الله عليه
وسلم- قال:
«إذا ضرب
أحدكم فليتق
الوجه».
وينبغي أن يكون
الضرب مفرقًا
لا مجموعًا في
محل واحد، والمهم
أن يكون
ثباتًا في
المبدأ
ومساواة بين الأولاد
وعدلًا
بينهم؛ لأن
العقوبة
الظالمة لا
تجلب إلا
الضرر. كما
وأن الخطأ
الذي يحدث
للمرة الأولى
يحسن أن يخفف
فيه العقاب،
إلا إن كان
الخطأ فادحًا
فلا مانع من
استخدام العقاب
الأشد حتى لا
يستهين الطفل
بالذنب.
وإذا
وقع العقاب من
أحد الأبوين،
فالواجب أن يوافقه
الآخر، وإلا
فلا فائدة من
العقاب، مع إشعار
الطفل بأن
العقاب ليس
للتشفي وإنما
لمصلحته، وإن
شعور الطفل
بخلاف ذلك قد
يحدث انحرافًا
معينًا في
نفسه، وهو أن
يتعمد إثارة
والديه،
ليستمتع
بمنظر
هياجهما
وثورتهما
عليه. ويحس
بالارتياح
الداخلي؛
لأنه وهو
الصغير استطاع
أن يثير أولئك
الكبار
ويزعجهم..
وعندئذ تكون
الخسارة
مزدوجة
العقوبة أدت
غرضها في الإصلاح،
وزاد في نفس
الطفل انحراف
جديد هو تحقيق
الذات عن طريق
غير سوي. ونود
أن نؤكد على
أن العقاب يجب
أن يتلو الذنب
مباشرةً،
وألا يكون من
الخفة بحيث لا
يجدي، أو من
الشدة بحيث
يشعر بالظلم
أو يجرح
الكبرياء.
ويتضح أن
الأطفال المنبسطين
يضاعفون
جهودهم عقب
اللوم في حين
أن المنطوين
يضطرب
إنتاجهم عقب
اللوم. ومطرد
التعلم (أي
النبيه
المجتهد)
يحفزه الثناء أكثر
من النقد
والمربي بحسن
حكمته يضع
الأمر في
نصابه عادة.
أيهما
أفضل الثواب
أم العقاب؟
إن
نتائج
التجريب على
الحيوان توضح
أن كلًا من
الثواب
والعقاب يؤدي
إلى زيادة في
التعليم..
ولكن
الدراسات
الإنسانية
توصي بضرورة
الاهتمام
بقضية الثواب
والاستحسان،
وتركز على
الثواب لعدة
أسباب. منها:
الأثر
الانفعالي
السيئ الذي
يصاحب
العقاب، أما
الاستحسان
ففيه توجيه
بناء لطبيعة
السلوك
المرغوب فيه
أكثر من مجرد
معلومات
سلبية عن
الأشياء التي
يجب أن
يتجنبها.
وقد
ندد ابن خلدون
في استعمال
الشدة في
التربية فقال:
«من كان
مَرباه
بالعسف
والقهر من المتعلمين
أو المماليك
أو الخدم، سطا
به إلى القهر،
وضيق كل النفس
في انبساطها
وذهب بنشاطها ودعا
إلى الكسل،
وحمله إلى
الكذب خوفًا
من انبساط
الأيدي
بالقهر عليه، وعلمه
المكر
والخديعة. ومن
كلام «سحنون
الفقيه» في
وصية لمعلم
ابنه: «لا
تؤدبه إلا
بالمدح ولطيف
الكلام، وليس
هو ممن يؤدب
بالضرب أو التعنيف».
ولعل أجدى
الطرق التي
ينبغي
اتباعها مع
الصغار هي ما
ذهب إليه ابن
مسكويه في
الموازنة بين
الثواب
والعقاب يقول
في ذلك: «ليمدح
الطفل بكل ما
يظهر من خلق
جميل وفعل حسن
ويكرم عليه،
وإن خالف في
بعض الأوقات
لا يوبخ ولا
يكاشف؛ بل
يتغافل عنه
المربي ... ولا
سيما إن ستر
الصبي
مخالفته ... فإن
عاد فليوبخ
سرًا، ويعظم
عنده ما أتاه
ويحذر من
معاودته..
فإنك إن عودته
التوبيخ
والمكاشفة
حملته على
الوقاحة....»
فالعقاب ليس
الوسيلة
المجدية، إنه
قد يؤدي إلى
كف الطفل عن
العمل
المعيب، لكن
لن يؤدي إلى
حبه للخير
المطلوب. ومن
ثم سيعاود
الطفل ما منعه
عن إثبات
ذاته، وإغضاب
الآخرين،
فضلًا عن أنه
يعوده
البلادة
والوقاحة. فالترغيب
عمومًا أفضل
من الترهيب،
والاعتدال هو
الميزان.
*
* *
مجلة
الداعي
الشهرية
الصادرة عن
دار العلوم ديوبند
، شعبان 1437 هـ =
مايو – يونيو
2016م ، العدد : 8 ، السنة
: 40